حالة من التخبط واليأس يعيشها حاليًا الإعلام المعادي للجزائر، في مقدمتهم الفرنسي والمغربي برعاية وتأطير من الإعلام الإماراتي، وذلك في أعقاب الزيارة الأخيرة “الناجحة” التي قادت وزير الخارجية الجزائري، أحمد عطاف إلى سوريا، والتي تم الإعلان فيها دعم الجزائر الكامل لسوريا في الدفاع عن سيادتها، واسترجاع كافة حقوقها أمام الهيئات الدولية، وهو الأمر الذي أزعج الإعلام المعادي وجعله يدخل في حالة “هستيريا شديدة”، باعتبار أنّ الاعتقاد السائد لدى هؤلاء بأن النظام السوري الجديد سيعلن قطع علاقاته الدبلوماسية مع الجزائر، بمجرّد تنصيب رئيس جديد للبلاد بعد انهيار نظام بشار الأسد.
ولعلّ تصريحات دبلوماسيو الجزائر وسوريا في الحكومة الانتقالية، خلال زيارة عطاف لدمشق، بشأن جودة ومتانة العلاقات الثنائية وامتدادها التاريخي، كانت سببًا مباشرًا في إصابة أبواق فرنسا والمغرب الإمارات بنوبة غضب واستياء شديد، كيف لا وهم الذين توقعوا القطيعة بين سوريا الجديدة والجزائر، لاعتبارات ومصالح جيوسياسية وإقليمية، بما فيها كسب الموقف السوري المساند للصحراء الغربية، لجعله يتماشى مع التصورات والأجندات المغربية الفرنسية، يضاف إليها مسألة التطبيع من الكيان، حيث يُتوقّع أن يضغط الحلف الثلاثي بكل الأساليب لإقحام سوريا في عمليات تطبيع ممنهجة مع الكيان الصهيوني، بما يتماشى مع الأجندات المرسومة للشرق الأوسط الجديد، لاسيما الذي تتبناه الإدارة الأميركية الرسمية برعاية دونالد ترامب، وتراه مناسبًا لمصالحها ومصالح الكيان في المنطقة.
أبواق فرنسا الـ”ناعقة” تسعى لخلق نزاع وهمي
وبعد الحملة “الممنهجة” التي قادها الإعلام المخزني والإماراتي للتشويش على الزيارة الأخيرة للوزير عطاف إلى سوريا، بمحاولة خلق “نزاع وهمي” بين الجزائر وسوريا الجديدة، مما سيسهم بدوره في إضعاف الجبهة المناهضة للتطبيع، وإعادة سوريا إلى الحلف المٌنصاع للسياسية الأميركية في المنطقة، خرجت بعض الأبواق الإعلامية “الناعقة” في فرنسا تهاجم الجزائر مجدّدًا، وتحاول الزج بها في معترك الأزمات الجيوسياسية، بعد حملة التصعيد الأخيرة التي قادها اليمين المتطرّف الفرنسي، إذ نشرت قناة “مونت كارلو” الإذاعية الفرنسية (حكومية) مقالاً “مسمومًا” على موقعها الالكتروني، حاولت فيه ضرب العلاقات الجزائرية السورية، زاعمةً في المقال المعنون بـ “الشرع يرفض الطلب الجزائري بتسليم المقاتلين الجزائريين في صفوف الأسد وسيحاكمهم.. فكم يبلغ عددهم؟” أنّ “الرئيس السوري أحمد الشرع رفض طلبًا تقدم به وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف بشأن إطلاق سراح معتقلين من الجيش الجزائري ومليشيات البوليساريو”، على حد تعبيرها.
وأشارت الإذاعة الفرنسية الحكومية أنّ “هؤلاء المعتقلين كانوا يقاتلون في صفوف قوات بشار الأسد في محيط حلب، وألقت هيئة تحرير الشام القبض عليهم في الهجوم الذي شنته في أواخر نوفمبر، والذي أدى لسقوط النظام”. قائلةً في هذا الصّدد أن “الشرع أبلغ وزير الخارجية الجزائري أن العسكريين الجزائريين من رتبة لواء وحوالي 500 جندي من الجيش الجزائري ومليشيات البوليساريو سيخضعون للمحاكمة إلى جانب بقايا فلول الأسد الذين تم القبض عليهم”، وفق مزاعمها طبعًا.
الإمارات تقود حملات العداء ضد الجزائر
وتكشف التقارير أن دولة الإمارات شنّت في الفترة الأخيرة حملات كراهية وتحريض ضد الجزائر وقيادتها، وصلت إلى مستويات غير مقبولة لا دبلوماسيًا ولا أخلاقيًا، ومع ذلك حافظت الجزائر على ضبط النفس رغم التصرفات العدائية الخطيرة، منها على سبيل المثال لا الحصر، تزويد المغرب بنظام متطوّر مُعدٍ للجوسسة على الجزائر، تم تطويره من قبل شركة “كوادريم” ، موجّه لاختراق هواتف المسؤولين والصحافيين في 10 دول، من بينها الجزائر. كما أن المسؤولين الإماراتيين، أرادوا، بأيّ ثمن وبأيّ طريقة، فرض تواجد بلادهم في منطقة الساحل ونيّة مخططهم محاصرة الجزائر.
وكانت تقارير إعلامية جزائرية اتهمت الإمارات بدفع المغرب للحرب مع الجزائر بسبب ما وصفته بـ”تحركات مشبوهة” من طرف ملحق الدفاع بسفارة الإمارات العربية في الجزائر، مشيرة إلى وجود “استعداء إماراتي ضد الجزائر” قد يفجر أزمة دبلوماسية بين البلدين في أي وقت. ويأتي ذلك، بعدما قالت “مصادر أجنبية جد موثوقة”، أن الملحق الإماراتي المشار إليه والذي يحمل رتبة عقيد، “صرح لأحد الدبلوماسيين، في حضرة نظرائه الأوروبيين، بأنه في حال نشوب حرب بين الجزائر والمغرب، فإن بلاده ستقف بكل إمكاناتها مع المملكة العلوية”.
لم تخف تقارير دولية موثوقة، أن الإمارات تورّطت في قضايا جوسسة بعد ثبوت استيراد تقنيات جوسسة إسرائيلية لصالح السلطات الإماراتية، كما اتهم الإعلام الدولي أكثر من مرة، بمحاولاتها توجيه السياسات الداخلية والخارجية لبعض الدول، بهدف بناء “نظام إقليمي جديد” ينسجم مع تصوراتها، وتشن لتحقيق ذلك، هجمات تستهدف منع تعزيز الديمقراطية ونشر الفوضى في بلدان عديدة.
انتصار جديد للدبلوماسية الجزائرية
وبحسب مراقبين، فإن ورود مثل هذه التقارير “الزائفة” من قبل أبواق فرنسا ضد الجزائر ومؤسساتها السيادية، نابعة عن حقد إعلام فرنسا ودول التطبيع على المواقف السيادية للجزائر في عدة ملفات وقضايا راهنة، في مقدمتها القضية الفلسطينية وقضية الصحراء الغربية المطروحة أمام الأمم المتحدة، وهي دليل واضح على مدى الانتصار الذي أضحت تحققه الدبلوماسية الجزائرية في شتى الأصعدة، حتى مع النظام السوري الجديد، الذي لطالما كان يُنظر إليه أنه سيكون خصمًا ومناهضًا لمواقف الجزائر إزراء هذه الملفات الإقليمية والدولية.
كما يرى محلّلون، أنّ الجزائر استطاعت بفضل دبلوماسيتها التي تقوم على مزيج من المبادئ الثابتة والواقعية الجديدة، التكيف مع المستجدات التي تشهدها المنطقة، وباتت تمتلك نهجا واضحا في إدارة العلاقات المركبة في المنطقة، مما يعزز مكانتها كشريك إستراتيجي لسوريا، إلى جانب قوى إقليمية أخرى مثل تركيا وقطر. لذلك، أن تلعب دورًا دبلوماسيًا فاعلاً في الشأن السوري، خصوصًا أنها تمتلك حضورًا نشطًا في مجلس الأمن، حيث تمثل الصوت العربي فيه، الأمر الذي قد يمنحها دورًا حاسمًا في دعم سوريا الجديدة، ومن ذلك العمل على رفع العقوبات المفروضة عليها نهائيًا.
زيارة ناجحة..
وأتاحت زيارة وزير الخارجية الجزائري، أحمد عطاف لدمشق فرصة للجزائر لتؤكد من خلالها دعمها وحدة سوريا واستقرارها، ولتجديد التعبير عن تضامنها ووقوفها إلى جانب دمشق خلال هذه المرحلة الدقيقة، ولمد المساعدة الكاملة في كل المجالات لتمكين الشعب السوري من كسب الرهانات وتحقيق تطلعاته المشروعة التي يرسمها في المستقبل.
وكشف المبعوث الخاص لرئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، عقب استقباله من قبل الرئيس السوري للمرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، استعداد الجزائر لتطوير تعاونها الثنائي مع دمشق، لا سيما في ميدان الطاقة والتعاون التجاري والاستثمار وإعادة الإعمار.
من جانبه، أكد وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني أن الإدارة السورية الجديدة بحثت مع الجزائر جهود رفع العقوبات الدولية عن دمشق انطلاقًا من عضويتها بمجلس الأمن.
عبدو.ح