أكد أستاذ القانون الدولي بجامعة سكيكدة الدكتور قاري علي، أن “فرنسا مُجبرة على تحمل مسؤوليته القانونية الكاملة عما ارتكبته في الجزائر سابقًا لأن الدولة كشخصية معنويات تبقى مستمرة وتتحمل المسؤولية الكاملة عن أفعالها حتى في حالة تغير رؤسائها ومسؤوليها”.
وفي حوار مُقتضب مع “الجزائر الجديدة“، شدد الدكتور قاري علي على “ضرورة إصدار تجريم الاستعمار الفرنسي في الجزائر، وهذا القانون سيمنح للمحاكم الجزائرية صلاحية النظر في الدعاوى القضائية التي سترفع ضد الدولة الفرنسية من طرف أي فرد تضرر من جرائمها التي ارتكبتها ابان احتلال الجزائر بغرض تعويضه تعويضا عادلا، لا سيما وأن فرنسا لا تزال إلى الآن ترفض تسليم أرشيفها الذي يُبين مكان دفن الأطنان من النفايات الناجمة عن تجاربها النووية في صحراء الجزائر بحجة أنه أرشيف عسكري سري، متناسية أضراره الكبيرة على الجزائريين”.
وفي رده على تصريحات سابقة أدلى بها الرئيس الفرنسي قال فيها إنه “ليس مُضطرًا إلى طلب الصفح وأن الاعتذار سيقطع كلّ الروابط وأن عمل الذاكرة والتاريخ ليس جردة حساب، ذكر المتحدث أن “الدولة كشخصية معنوية تبقى مستمرة، وتتحمل المسؤولية الكاملة عن أفعالها حتى في حالة تغير رؤسائها ومسؤوليها، ولو كان كلام الرئيس ماكرون صحيح، لكان من حق أي دولة أن تعلن عدم التزامها بأي اتفاقية وقعها رئيس سابق، لكن هذا غير موجود إطلاقا، بل بالعكس، فعادة ما يصرح الرؤساء الجدد التزامهم بالاتفاقيات الدولية المبرمة قبل أن يأتوا، فالرئيس ماكرون باعتباره رئيس لفرنسا يتحمل مسؤولية الاعتراف والاقرار – وما يترتب عن ذلك من آثار- عما ارتكبته دولته المحتلة لجزائر من 1830 إلى 1962″.
فلا يوجد شعب في العالم على حد قوله تعرض لأبشع أنواع القهر و الظلم والاضطهاد مثلما تعرض له الشعب الجزائري على يد المحتل الفرنسي، فهذا الأخير ارتكب في الجزائر جرائم شنيعة من خلال قتل وتعذيب ملايين الجزائريين، ومجازر الثامن ماي فقط من عام 1945 خير شاهد على ذلك، كما أحرق ودمر البيئة والحيوان من خلال سياسة الأرض المحروقة ، بالإضافة إلى ما لا يقل عن 57 تفجير نووي في الصحراء الجزائرية ، في الفترة الممتدة من 1960 إلى 1966، والتي يقدر الخبراء أن آثارها المدمرة على الانسان والبيئة ستستمر إلى 2400 سنة المقبلة، ناهيك عن محاولة مسخ الهوية الوطنية الجزائرية من خلال محاربة تعليم اللغة العربية والدين الإسلامي.
وباختصار يقول أستاذ القانون الدولي بجامعة سكيكدة، إن “تكييف القانون لجرائم المحتل الفرنسي في الجزائر، هي بمثابة جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، وهذا استنادا لاتفاقية الأمم المتحدة المؤرخة في 26 نوفمبر1968، والتي جاءت تحت اسم اتفاقية “عدم تقادم جرائم الحرب والجرائم المرتكبة ضد الإنسانية، كما أن النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية لعام1998، وفرنسا من بين الدول المصادقة عليه، قد نص في المادة الخامسة منه على أن “جرائم الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب وجريمة العدوان لا تخضع لأي تقادم”.
ويتضمن مُقترح قانون تجريم الاستعمار الذي طرحه نواب في نوفمبر 2021، 54 مادة، تطرقت إلى مجموع الجوانب السياسية والقانونية والمسؤولية التاريخية للدولة الفرنسية عن جرائم الإبادة والتهجير ونهب الثروات الجزائرية، ويضع القانون اعتراف فرنسا واعتذارها وإقرارها بتقديم تعويضات، كشرط رئيس لعقد أية اتفاقيات أو معاهدات مستقبلية مع الدولة الجزائرية.
ويحمّل القانون “الدولة الفرنسية المسؤولية كاملة عن الجرائم التي ارتكبتها الجيوش الفرنسية وعملاؤها طيلة فترة الاستعمار بصفتها جرائم ضد الإنسانية، كالتفجيرات النووية والإبادة الجماعية (أكثر من 5.6 ملايين شهيد) وحقول الألغام وجريمة الألقاب المسيئة وسرقة الممتلكات والتراث الوطني”. ويشدد على أن جرائم الاستعمار الفرنسي لا تخضع لمبدأ التقادم ولا لقوانين العفو، وفقاً لمقتضيات القانون الدولي الإنساني، وتنص المادة السادسة من القانون على المطالبة بالتعويضات عن الأضرار المادية والمعنوية الناجمة عن الجرائم الاستعمارية.
كما ينص القانون على أن يتم “تأسيس شرط الاعتراف والاعتذار، كقاعدتين في التعامل في العلاقات الجزائرية الفرنسية، ويعتبر الاعتراف والاعتذار والتعويض حقوقاً مشروعة للشعب الجزائري وغير قابلة للتنازل”، وتصنف المسودة جرائم الاستعمار الفرنسي إلى خمسة أصناف.
فؤاد ق