بينما تتفاقم الأزمة الدبلوماسية بين الجزائر وفرنسا بسبب تواصل الاستفزازات التي تقوم بها من حين إلى آخر الوجوه والمنابر الاعلامية اليمينية المتطرفة، تجاه الجزائر، يبقى الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، صامتا عاجزا عن التدخل من أجل إنهاء الأزمة باعتباره صاحب الكلمة الفصل.
فأولئك الذين يتحدثون عن معاقبة الجزائر، على حد زعمهم، مثل وزير الداخلية الفرنسي، برينو روتايو، انطلاقا من مراجعة اتفاقية 1968، يتحدثون بصيغة التمني، لأنهم لا يملكون مفاتيح صناعة القرار، الذي يبقى من الصلاحيات الحصرية لنزيل قصر الإيليزي، الحائر في التصرف بسبب ضعف وضعه السياسي، منذ خسارة حزبه “النهضة” الانتخابات التشريعية الأخيرة لصالح تكتل اليسار (الجبهة الوطنية الجديدة).
وفي ظل ضمت المسؤول الأول، اشتعلت الساحتين السياسية والاعلامية في فرنسا، ضجيجا بين داع إلى التصعيد مع الجزائر، ومحذر من تداعيات هذا الخيار على العلاقات الثنائة، وآخرهم الوزير الأول ووزير الخارجية الأسبق، دومينيك دوفيلبان، الذي يدعو إلى تحكيم العقل واستعمال الحوار سبيلا للخروج من المأزق الراهن.
ويؤشر صمت الرئيس الفرنسي عن حالة من الحيرة في التعاطي مع الأزمة المتفاقمة مع الجزائر، التي أبانت على لسان مسؤولها الأول، عبد المجيد تبون، عن صرامة غير معهودة في مواجهة باريس، وربما يعود ذلك إلى حالة الإحباط التي ترسخت لديهم من خيانة الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، لواحدة من أكثر القضايا حساسية في العقيدة الدبلوماسية للجزائر، وهي القضية الصحراوية.
وتحولت كل مشكلة أو أزمة وإن كانت صغيرة، على فتيل لإشعال أزمة أكبر منها، والسبب راجع إلى تراكم الخلافات على محور الجزائر باريس، من تغير الموقف الفرنسي بشأن قضية الصحراء الغربية، إلى سجن الكاتب الفرانكو جزائري، بوعلام صنصال، المتهم باستهداف الوحدة الترابية للبلاد، إلى سجن السلطات الفرنسية للعديد من المؤثرين الجزائريين في فرنسا، في فعل أقرب ما يكون إلى الانتقام من الجزائر بسبب مواقفها المتشددة من باريس.
ويبقى لشخص الوحيد من داخل التشكيل الحكومي للوزير الأول، فرانسوا بايرو، الذي يخرج من حين إلى آخر لتسميم العلاقات الثنائية المريضة أصلا، هو وزير الداخلية، برينو روتايو، الذي ينتمي إلى اليمين التقليدي (حزب الجمهوريون)، ولكنه في الواقع يلقى الدعم غير المحدود من قبل اليمين المتطرف في صورة حزب مارين لوبان.
ويبقى السؤال المحوري، هو لماذا يحافظ الرئيس الفرنسي على صمته وهو يقف على تفاقم أزمة العلاقات مع الجزائر بسبب تصريحات وزير خارجيته اليميني المتطرف؟ الإجابة واضحة ولا تحتاج إلى تفكير عميق، وهو أن ماكرون لم يصل إلى هذه المرحلة من الضعف منذ أن وصل إلى سدة قصر الإيليزي قبل نحو ثماني سنوات، ما جعله يتحالف مع قوى سياسية يمينية متطرفة تبني مواقفها على معاداة الجزائر ومحاولة ضرب مصالحها في فرنسا وخارجها.
وربما هذا هو السبب الرئيسي الذي جعل ماكرون يقف عاجزا أمام فرض الانضباط في حكومته، بحيث قد يؤدي تدخله من أجل طرد وزير الداخلية من الحكومة، إلى انهيار التحالف الهش الذي بناه مع اليمين و(اليمين المتطرف من خلف الستار)، ومن ثم سقوط حكومة بايرو، وربما انقياده صاغرا لتقديم استقالته، بحيث انهارت شعبيته على مستويات غير مسبوقة.
غير أنه وبالمقابل، من شأن استمرار الأزمة مع الجزائر بهذا الشكل، أن يخلق مشاكل عويصة لباريس، لأن ترك الحابل على الغارب لليمين المتطرف لاستهداف أكثر من عشرة بالمائة من الجزائريين المقيمين في فرنسا، بحسابات انتقامية من الجزائر، يضع السلم الأهلي في المستعمرة السابقة على كف عفريت، وهو ما يدركه العاقلون ويحاول تجاهله المجانين من أمثال برينو روتايو ومن يقف وراءه.
علي. ب