تمرّ يوم 13 فيفري 65 سنة على ذكرى التفجيرات النووية الفرنسية بصحراء الجزائر، والتي تمثل أحد أبشع الجرائم المرتكبة في حق الإنسان والبيئة عالميًا، حيث أجرى جيش الاحتلال الفرنسي 57 تفجيرًا نوويًا بالجنوب الكبير، أكبرها بمنطقة رقان ولاية أدرار، مخلفةً دمارًا هائلاً وضحايا بالآلاف، لا تزال آثارها تبرز إلى غاية اليوم، ممّا يجعلها جريمة حرب مكتملة الأركان لا تسقط بالتقادم، وكذا “إبادة جماعية” بمفهوم القانون الدولي.
واستعملت فرنسا الصحراء الجزائرية بين 13 فيفري 1960 و16 فيفري 1966 مسرحًا لسبعة وخمسين (57) تفجيرًا وتجربة واختبار نووي، حملت مسميّات “اليرابيع الزرقاء والحمراء والبيضاء والسوداء”، أربعة (04) منها تفجيرات جوية بحمودية (رقان)، كانت ملوثة للغاية وثلاثة عشر (13) تفجير باطني، بتاوريرت تان أفلا (إين أكر) كانت فاشلة وأخطرها الحادث النووي “بريل” في أول ماي 1962، وبالإضافة لذلك خمسة وثلاثون (35) اختبار نووي للسلامة على مستوى آبار بحمودية، وخمسة (05) تجارب نووية بموقع تاوريرت تان أترام في الهوى الطلق، باستعمال مواد انشطارية كالبلوتونيوم. وتم استخدام العمال الجزائريين والمواطنين من البدو الرحل والسجناء “كحيوانات- التجارب” في هذه التفجيرات، التي لا تزال اشعاعاتها النووية تشكل جريمة كاملة ضد الإنسانية وعلى البيئة، وبالتالي، فإنها لا تسقط بالتقادم.
وتؤكد بيانات تاريخية محفوظة أنّ القوة التفجيرية للقنابل النوورية الفرنسية بالصحراء الجزائرية فقاقت أربعة أضعاف ما خلفته قنبلتي هيروشيما وناغازاكي في الحرب العالمية الثانية، بدليل أن مجموع قوة ثماني تجارب وصل 234 كيلوطنًا من المتفجرات.
وتشير التقارير إلى أن الجيش الفرنسي في تفجيراته التي استخدم آلاف الجزائريين وعناصر من اللفيف الأجنبي كفئران تجارب، إضافة إلى حيوانات وحشرات وطيورا وبذور نباتات مختلفة، وتم ربط الضحايا لساعات مبكرة قبل كل عملية تفجير، وأتت تلك التجارب على الأخضر واليابس، وكانت بذلك أشد وطأة على سكان الجهة الجنوبية مخلّفة آلاف الوفيات والإصابات، بينما تعيش آلاف العائلات في مناخ ملوث بالإشعاعات. ففي منطقة “رقان” والبلديات التابعة لها، يقف الزائر على خطورة الإشعاعات الناجمة عن النفايات النووية التي خلفتها سبعة عشر تجربة أجراها الفرنسيون هناك ما بين 13 فيفري 1960 و16 نوفمبر 1966، وتسببت بمقتل 42 ألف جزائري، وإصابة آلاف الآخرين بإشعاعات، وأضرار كبيرة مست البيئة والسكان.
وتُثار الكثير من التوجّسات في منطقة رقان الجنوبية إزاء النفايات النووية السامة التي تختزنها الصحراء هناك منذ نصف قرن، بسبب تجارب نفذتها فرنسا وأضرّت بتوازنات الإنسان والبيئة والحيوان، ويؤكد خبراء أنّ الاشعاعات النووية التي لا تزال تحصد ضحاياها، خلّفت جيلاً مشوّهًا وستستمر تهديداتها إلى ما يزيد عن 24 ألف سنة قادمة.
وكان رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، تطرّق في مقابلة أجراها مع صحيفة “لوبينيون” الفرنسية، الأسبوع الماضي، لمسألة التفجيرات النووية الفرنسية بالجزائر، داعيًا إياها إلى ضرورة تنظيف مخلفاتها النووية بما يتماشى مع المواثيق والتعهدات الدولية. وقال الرئيس في هذا الصّدد أنّ “التعويضات المتعلقة بالتفجيرات النووية باستخدام الأسلحة الكيميائية من طرف فرنسا في جنوب الجزائر مسألة ضرورية لاستئناف التعاون الثنائي، داعيًا إلى تسوية نهائية لهذه الخلافات”.
كما أضاف أن “ملف تنظيف مواقع التجارب النووية ضروري وواجب إنساني وأخلاقي وسياسي وعسكري، كان بإمكاننا القيام بذلك مع الأمريكيين أو الروس أو الإندونيسيين أو الصينيين، لكن نرى أن الجزائر يجب أن تقوم بذلك مع فرنسا التي يجب أن تخبرنا بدقة عن المناطق التي أجرت فيها هذه التجارب وأين دُفنت المواد”.
وفي ظل تنصّل فرنسا عن التزاماتها تجاه هذه الجرائم التفجيرات الإجرامية، ورفضها تطهير مناطق التجارب على غرار “تاوريرت”، “تافدست”، و”عين إيكر”، يطالب خبراء السلطات الفرنسية بتسليم الأرشيف الخاص بهذه الجرائم النووية ضدّ البيئة والإنسانية، ويلّح هؤلاء على أهمية المطلب لتحديد مكان دفن النفايات السامة والمواد المشعة، حتى يتسنى تحجيم مضاعفات محتملة خلال القرون المقبلة.
عبدو.ح