تضمن القانون الجديد للجمعيات، حُزمة جديدة من الإجراءات التشريعية التي تهدف إلى تعزيز الآليات المتعلقة بتفعيل الجمعيات وترقية دورها في المجتمع من خلال إشراكها في تسيير الشأن العمومي.
يتمثل أبرز هدف من هذا القانون العُضوي، حسبما ورد في عرض الأسباب تفادي التجارب السيئة التي شهدتها البلاد لا سيما تلك التي أدت إلى المأساة الوطنية خلال أواخر القرن الماضي وبالتالي فالنتيجة المبتغاة من هذا القانون هو جعل الجزائر في منأى عن الفتنة والعنف والتطرف وخطابات الكراهية وكذا منع استغلال الجمعيات في كل أشكال الفساد وتبييض الأموال وتمويل الإرهاب وهذا طبقا للاستراتيجية الوطنية للوقاية من تبييض الأموال وتمويل الإرهاب، ولذلك شددت الحكومة الرقابة على الجمعيات الأجنبية غير الحكومية التي سيتم إخضاعها لمتابعة دقيقة وتنظيم صارم.
وفسح المشروع التمهيدي لهذا النص التشريعي الذي تحوز “الجزائر الجديدة” على نسخة منه، المجال أمام الجمعيات للبحث عن مصادر تمويل ذاتية تمكنها من تحقيق أهدافها وتنفيذ مشاريعها، بالمقابل غير المشروع تسمية “الجمعيات الأجنبية” الواردة في القانون رقم 06 -12 الساري المفعول بتسمية “جمعيات الصداقة والتبادل مع الأجانب” باعتبار أن هذا الصنف من الجمعيات يُؤسس داخل التراب الوطني وطبقا للتشريع الجزائري ويُسير كُليا أو جزئيا من طرف أشخاص أجانب مقيمين بالجزائر إذ اعتبر مشروع القانون الجديد أن تسمية الجمعيات الأجنبية غير ملائمة تمامًا بالنظر إلى طبيعتها.
ووضع مشروع القانون أحكام جديدة وفي سابقة هي الأولى من نوعها، تتعلق بشروط وضوابط وكيفيات فتح مكاتب المنظمات الدُولية غير الحكومية داخل التراب الوطني وهذا تماشيا مع انفتاح الدولة اتجاه هذه المنظمات في السنوات الأخيرة، وتنص المادة 91 من الفصل الرابع المعنون بـ”المنظمات الدولية غير الحكومية” على أنه يمكن للمنظمات الدولية غير الحكومية النشاط داخل التراب الوطني عن طريق فتح مكتب لها وفق الشروط والكيفيات المحددة في هذا الفصل، إذ يرخص للمنظمة الدولية غير بفتح مكتب واحد فقد ودون فروع محلية.
منظمات تحت الرقابة
واللافت أنه لا يمكن حسب المادة 92 أن يُرخص للمنظمة الدُولية غير الحكومية بفتح مكتب لها في التراب الوطني إلا إذا كانت الحكومة الجزائرية تربطها مع الدولة الأصلية للمنظمة علاقات صداقة وأخوة اتفاقيات تعاون في أي مجال من المجالات، وتحول المادة 93 دون فتح مكتب داخل التراب الوطني للمُنظمات الدولية غير الحكومية التي تنشأ أهدافا في قوانينها الأساسية وبرامجها مخالفة لأحكام هذا القانون العضوي وللتشريع والتنظيم المعمول بهما.
والنقطة الأهم في المشروع الحالي هي عدم الترخيص للأشخاص الأجانب المتمتعين بالحصانة الدبلوماسية بفتح مكتب لمنظمة دولية غير حكومية أو النشاط فيه، ويتوجب على المنظمات تقديم طلب الرخصة مرفقاً ببيانات عن قائمة الدول التي لديها مكاتب في إطار المنظمة، بالإضافة إلى تعهد باحترام المبادئ الواردة في المادة 8 التي تلزم بالاحترام الكامل للثوابت الوطنية والقيم المكرسة في الدستور، وكذلك احترام المواثيق الدولية وأحكام القوانين والتنظيمات السارية. ومن هذه المبادئ: الوحدة الوطنية، السلامة الترابية، السيادة الوطنية، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدولة، فضلاً عن مقتضيات الأمن والدفاع الوطنيين. في حال انتهاك هذه المبادئ، يتم سحب الرخصة من المنظمة بشكل نهائي.
عُقوبات ضد الجمعيات غير مرخصة
تضمّن التشريع تمديد العمل بالعقوبات الرادعة ضد أي نشاط يتم باسم جمعية غير مرخصة أو التي جرى تعليق عملها أو سحب الترخيص منها، وتتراوح العقوبة بين الحبس لمدة ثلاثة أشهر إلى ستة أشهر، بالإضافة إلى غرامة مالية تصل إلى 300 ألف دينار جزائري.
كما تمّ تعزيز الإطار الجزائي بعقوبة إضافية مستمدة من التشريعات الخاصة بمكافحة الفساد، حيث تقضي بحبس أعضاء الجمعيات الذين يثبت قيامهم بتبديد أو إتلاف أو استخدام ممتلكات أو أموال أو أوراق مالية أو أي أشياء ذات قيمة، ملك للجمعية أو مخصّصة لها، بطرق غير قانونية أو لصالحهم أو لصالح شخص أو كيان آخر، وتتراوح العقوبة بين عامين إلى خمس سنوات، مع مضاعفة العقوبة إذا كان المال محلّ الجريمة من الخزينة العمومية.
ومن جهة أخرى تم إحالة العديد من الأحكام في القانون إلى التنظيم، مما يتيح للسلطات تحيين التشريع من خلال المادة 52 المثيرة للجدل، التي نصت على أنه “إضافة إلى أحكام هذا القانون العضوي، يمكن أن تخضع الجمعيات لأحكام إضافية تحدد عن طريق التنظيم“.
وبالإضافة إلى ذلك، منحت الجمعيات مهلة قصيرة للتكيف مع أحكام القانون، مقارنةً بفترة العامين المقررة في التشريع الحالي. وتنص المادة 102 من القانون على ضرورة مطابقة الجمعيات لقوانينها الأساسية بعد بدء سريان هذا القانون العضوي (أي بعد نشره في الجريدة الرسمية)، وفي حال التخّلف عن ذلك، تُوجّه للجمعية إنذارات من قبل السلطة المختصة، مع إعطائها مهلة أقصاها 30 يوماً للتصحيح، وإلا ستتعرّض للتعليق أو الحلّ.
أما بالنّسبة للمؤسسات التي تمّ إنشاؤها قبل بدء سريان هذا القانون العضوي، فيُطلب من المسؤولين عنها إيداع ملفات التصريح بتأسيسها المنصوص عليها في المادة 72 من القانون، وذلك في مهلة أقصاها سنة واحدة من تاريخ نشر هذا القانون في الجريدة الرسمية للجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية، مع التهديد بحلها إذا لم يتم الامتثال لأحكام القانون العضوي.
سجل وطني للمستفيدين من خدماتها
ومن جهة أخرى ورد ضمن المشروع مجموعة من الإجراءات الاحترازية تتعلقُ بشفافية التسيير والتمويلات، كإجبار الجمعيات التي تنشط في إطار في جمع وتوزيع الأموال لأغراض خيرية أو دينية أو تعليمية أو ثقافية أو اجتماعية أو أي أعمال خيرية أخرى، بتسجيل المستفيدين الفعليين من هذه الأعمال، وفي هذه الحالة تستحدث وزارة الداخلية سجل وطني للمستفيدين من خدمات الجمعيات، كما يجب على الجمعيات تعيين محافظ حسابات يتولى تدقيق وتصديق صحة حساباتها وتقاريرها المالية السنوية، ويرصد أي مخالفة تتعلق بحسابات الجمعية أو إيراداتها أو مصاريفها، بالإضافة إلى مراقبة مدى احترام الأحكام المتعلقة بقبول الهبات والتبرعات، وأي شبهات تشير إلى استغلال الجمعية في تبييض الأموال أو تمويل الإرهاب، كما يجب على المحافظ أن يُبلغ السلطات المعنية بهذه المخالفات، وكذلك يجب التبليغ للسلطات العمومية المانحة للأموال العمومية إذا كانت هناك أي مخالفات في استخدام تلك الأموال من قبل الجمعية، وتُترجم هذه الإجراءات التزام الجزائر بتوصيات مجموعة العمل المالي في مجال مكافحة تبييض الأموال.
بالمقابل أتاحت المادة 30 للجمعية التعاون بموجب اتفاقيات شراكة مع جمعيات أجنبية أو منظمات دولية غير حكومية تنشد أهدافا مماثلة في ظل احترام القيم والثوابت الوطنية وكذا التشريع والتنظيم المعمول بهما في إطار علاقات التعاون بين الجزائر والبلدان الأصلية لهذه الجمعيات أو المنظمات، على أن تخضع هذه الاتفاقيات بعد أخذ رأي الوزير المكلف بالشؤون الخارجية إلى الموافقة المسبقة للوزير المكلف بالداخلية فيما يخص الجمعيات ما بين الولايات والجمعيات الوطنية، والوالي فيما يخص الجمعيات البلدية والولائية على أن يبدي الوزير المكلف بالشؤون الخارجية رأيه مُعللا في أجل أقصاه ثلاثون يوما من تاريخ إخطاره من طرف الوزير المكلف بالداخلية على أن يُصدر الوزير المكلف بالداخلية قراره في أجل أقصاه ستون يوما ابتداء من تاريخ إيداع الطلب وفي حالة الرفض يجب أن بكون القرار مُعللا.
أما المادة 32 فتنص على أنه يمكن للجمعيات الوطنية فتح مكاتب لها في بلدان أجنبية تربطها علاقات تعاون مع الجزائر وفي ظل احترام التشريع والتنظيم المعمول بهما في البلد الأجنبي وتسير هذه المكاتب حصرا من طرف افراد من الجالية الوطنية المقيمة في البلد المعني، ويخضع فتح المكاتب المنصوص عليها في الفقرة أعلاه إلى الموافقة المسبقة للوزير المكلف بالداخلية بعد أخذ رأي الوزير المكلف بالشؤون الخارجية.
فؤاد.ق