باشرت السلطات الفرنسية حملة ضد الجزائر كمن يقوم بعملية “مطاردة للساحرات”، متهمة إياها بأنها لا تقوم بما يكفي من أجل النهوض بالعلاقات الثنائية، غير أنها بالمقابل لا تتجرأ على طرح سؤال بسيط ومباشر، وهو من يتحمل مسؤولية هذا التدهور في العلاقات بين البلدين.
وفي لقاء إعلامي بدا وكأنه مبرمج لهدف ما، أعرب رئيس الدبلوماسية الفرنسية جان نويل بارو، الأحد 5 جانفي ، عن “شكوكه” حول رغبة الجزائر في احترام خارطة الطريق للعلاقات الفرنسية الجزائرية، التي تم الكشف عنها خلال زيارة الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، إلى الجزائر في شهر أوت من سنة 2022، والتي شهدت التوقيع على إعلانا مشتركا يقود إلى خفض التصعيد، بعد التزام الطرفين بتجاوز مسائل خلافية.
وقال جون نويل بارو في مقابلة مع مجموعة من المؤسسات الإعلامية الفرنسية مثل ” RTL” و” M6 ” و”لوفيجارو” والقناة البرلمانية: “في عام 2022 قمنا بصياغة خارطة طريق، نريد التأكد من أنه يمكن اتباعها.. لكننا نلاحظ مواقف وقرارات من جانب السلطات الجزائرية تسمح لنا بالشك في نية الجزائريين في الالتزام بخريطة الطريق هذه”.
وعكس ما صدر على لسان رئيس الدبلوماسية الفرنسية، فإن هناك الكثير من الأمور تم وضعها على السكة بعد زيارة ماكرون إلى الجزائر، يومها كانت العلاقات الثنائية مستقرة، ونتج عن ذلك إنشاء لجنة مختلطة من المؤرخين الجزائريين والفرنسيين لبحث ملف الذاكرة، وشرعت في عملها فعليا، غير أن عدم جدية الطرف الفرنسي وخيانته للمصالح الجزائرية هدم كل ما تم بناؤه بمجرد تصريح كذلك الذي صدر عن الرئيس الفرنسي ماكرون الصائفة المنصرمة.
وعليه، فقبل أن يلوم الفرنسيون الجزائر على الدفاع عن مصالحها بطريقتها الخاصة، مثل قطع الاتصال مع باريس، عليهم أن يسألوا أنفسهم لماذا هم يفتقدون إلى الجدية و”الرجولة” في تشريف العهود التي قطعوها على أنفسهم، فهل يعقل أن يقدم الرئيس ماكرون الذي ظل يجهر ويفتخر بصداقته مع الجزائر والجزائريين، على الارتماء في أحضان عدو لذود للجزائر، ومنحه ما لا يستحق وهو على تمام الإدراك بأن ذلك سيدمر العلاقات الثنائية.
وعندما يتحدث وزير الخارجية الفرنسي عن “شعور رئيس الجمهورية الفرنسية، بقلق بالغ إزاء رفض طلب الإفراج الذي أرسله بوعلام صنصال ومحاميه”، عليه أن يتذكر أو يؤمن إن كان غير مدرك، بأن كلام من هذا القبيل يعتبر تدخل سافر في الشؤون الداخلية للجزائر، وهو ما ستنجر عنه تداعيات تزيد من تعميق الأزمة التي تخيم على العلاقات الثنائية.
فما تعتبره باريس جزء من حرية التعبير، كما يزعم مسؤولوها، هو بالنسبة للجزائر قضية سيادة وتعد سافر على وحدتها الترابية من قبل شخص مشبوه لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يكون فوق القانون لسواد عيون ماكرون وحاشيته، التي لا ترى إلا ما يخدم مصالحها ولو كان ذلك على حساب مصالح دولة وشعب، لطالما وصفهما الرئيس الفرنسي بأنهما صديقين لبلاده.
لذلك إذا كان الوزير الفرنسي يرغب في الحفاظ على أفضل العلاقات مع الجزائر، عليه أن يدرك ما يجب عليه فعله هو ومسؤولي بلاده وعلى رأسهم ماكرون، الذي لم يعد يحتفظ بما كان يتمتع به من سمعة ومصداقية لدى الجزائريين.
علي. ب