تعد قلعة “تيميكي” ببلدية تاوقريت (70 كم عن الشلف مركز) من الشواهد المادية على مرور الحضارة الرومانية بحوض الشلف حيث لا تزال منتصبة وسط ديكور طبيعي خام لتروي فترة ازدهار المنطقة إبان العصور الأولى للميلاد، وبالرغم من أن الموقع مصنف ومحمي إلا أن بعض ممارسات السكان التي تنمّ عن نقص الثقافة التراثية باتت تهدد هوية المكان التاريخية ، بينما تتطلع السلطات المحلية لأن يكون قطبا سياحيا بإمتياز.
وتتعرض قلعة تيميكي التي يرجع تاريخها للقرون الميلادية الأولى لعديد الانتهاكات على غرار الحفريات غير الشرعية والبناءات الفوضوية على حدودها فضلا عن زراعة بعض المساحات وكذا سرقة الحجارة من طرف بعض المواطنين المحليين في حين أن الموقع الأثري تم تصنيفه من قبل المستعمر الفرنسي سنة 1905 ليصنف ثانية بعد استقلال الجزائر سنة 1967 طبقا للأمر 67 û 281 المتعلق بالحفريات وحماية المواقع الأثرية.
وحسب مديرة الثقافة، فاطمة بكارة، فإن الانتهاكات المسجلة على مستوى قلعة أولاد عبد الله (الاسم الحديث) مردها لنقص الثقافة التراثية والوعي لدى بعض الفئات حيث تحاول مصالحها من خلال حملات التوعية والتحسيس التعريف بأهمية المكان وترسيخ ثقافة الحفاظ على التراث المادي وتثمينه، خاصة في ظل فعاليات شهر التراث أين تم تنظيم عديد النشاطات في الموقع الأثري “استهدافا لفئة الأطفال ولتقريبها من المواطن المحلي”.
” لقد تم تسجيل اعتداء واحد على الموقع خلال الشهرين الأخيرين فيما طلبنا من السلطات المحلية التدخل لمنع بناء السكنات الفوضوية وممارسة أنشطة فلاحية بحدود الموقع ، تقول السيّدة بكارة، التي تأمل في تكفل السلطات المحلية بإنجاز سياج محيط بالموقع كإجراء أولي لحمايته خاصة في ظل امكانية تحويله لوجهة سياحية داعمة للاستثمار والاقتصاد المحلي بعد أن تم الانتهاء من دراسة إعداد مخطط الحماية والتثمين في انتظار أن تباشر به أعمال التدخل والتنفيذ مستقبلا (مسجلة في عمليات التحكيم لسنة 2019).
من جانبها أكّدت رئيسة دائرة تاوقريت، نادية نابي، أن قلعة تيميكي الرومانية التي عرفت مؤخرا بعض الانتهاكات تعتبر موقعا أثريا جديرا بالاهتمام والحماية والتثمين وهو ما جعل مصالحها تعمل على التدخل السريع خاصة فيما يخص هدم البناءات الفوضوية و تحسيس السكان المجاورين بالقيمة التاريخية للمكان.
كما أشارت ذات المسؤولة إلى التنسيق مع كل من مديرية الثقافة التي قامت بتسخير عون لحراسة المكان وكذا مصالح الأمن للقيام بدوريات مراقبة بمحيط الموقع الأثري تفاديا لانتهاكات جديدة.
و التقت “وأج” مع بعض المواطنين المحليين حيث تم رصد آرائهم المختلفة بين مطّلع على أهمية الموقع التاريخية ومرحب بفكرة حمايته وتثمينه وبين آخر يبحث عن قوت يومه صارفا النظر عن قضايا التراث في مشهد يؤكد على ضرورة التحسيس والتوعية في سبيل حفظ هكذا معالم تضمن تواصل الأجيال وتؤرخ لحضارات مرت بالمنطقة.
و أعتبر السيّد محمد (متقاعد) أن قلعة تيميكي دليل على وجود إنساني بالمنطقة ضارب في عمق التاريخ وبحاجة للدراسة والعرض أمام العالم لعله يكون وجهة سياحية تدّر موارد مالية جديدة للبلدية وأهل المنطقة ، مستنكرا في ذات الوقت بعض الممارسات غير الشرعية كالبحث عن الكنوز وتهريب الآثار ، داعيا إلى توعية الساكنة من خلال منابر الإعلام والأنشطة الجوارية بقيمة قلعة أولاد عبد الله.
وعلى النقيض من ذلك يرى عبد القادر (عامل يومي) أنه معني أكثر بتحصيل قوت يومه لأولاده الخمسة “عوض البحث والاهتمام بتاريخ أناس مروا من هنا وأكل عليهم الدهر وشرب” ،كما قال، رأي جعل “وأج” تبحث أكثر في أهمية السمات التاريخية الأنثروبولوجية للإنسان ودور مؤسسات التنشئة في نشر ثقافة الحفاظ على التراث وتثمين شواهده.
تفعيل مؤسسات التنشئة لنشر الثقافة التراثية في الأوساط المحلية
بدوره، يرى أستاذ علم الاجتماع و الانثروبولوجيا بجامعة حسيبة بن بوعلي، ميلود بوعزدية، أن تثقيف أهالي المنطقة وتوعيتهم بمعنى الآثار التاريخية المادية مرتبط بتفعيل مؤسسات التنشئة كالمدرسة، الجامعة المسجد وفواعل المجتمع المدني والسلطات المحلية وصولا إلى الفرد المطالب هو الآخر بتوعية نظرائه.
وأردف السيّد بوعزدية قائلا ” الناس تحمل أفكارا من حيث المعتقد والتاريخ (…) بعض الفئات تعتبر التراث خارج عن الدين وتذكير بالجاهلية وهذه الذريعة دفعت ببعض منهم إلى عدم الاهتمام بها (…) تواجد الحضارات القديمة بالمنطقة هو عبرة وذاكرة صحية للأجيال القادمة حتى لا تحدث القطيعة (…) فالقطيعة تؤدي إلى التفرقة “.
وصرح ذات المختص في علم الاجتماع أنه ينبغي في سبيل التأسيس والترسيخ لثقافة تراثية تثمين الشواهد التاريخية للحضارات المتعاقبة على غرار قلعة أولاد عبد الله.
“إن تظافر كل الجهود لإيجاد آليات كفيلة بإبراز الفائدة المعنوية للحفاظ على التراث من خلال استمرار الذاكرة الجماعية للناس، فمن لم يملك تاريخ لا يملك مستقبل”، يضيف المتحدث.
أما الباحث والخبير في علم الآثار، جمال محمدو حسناوي، فيعود بنا إلى أهمية الموقع من الناحية التاريخية حيث يفيد بأنه و”على إثر تحري معمق لفرقة بحث في علم الآثار من الجزائر العاصمة تم تأكيد وجود تسلسل حضاري جدير بأن يأخذ حيزا أكبر من الدراسة والاهتمام”.
واستنادا للسيّد حسناوي فإن الموقع الاستراتيجي لقلعة أولاد عبد الله التي تطل على العالم من أعلى هضبة صخرية بمنطقة سيدي عيسى (بلدية تاوقريت) يثير فضول الباحثين في علم الآثار باعتباره موقعا رومانيا مع العلم أنه بعيد عن الموارد المائية الطبيعية مما اضطرهم لإيجاد خزانات خاصة والعيش بمياه الأمطار.
ويتواصل فضول الباحثين حول الشعوب التي مرت بقلعة تيميكي مع تلك النقاشات الموجودة والغريبة حيث تشير إلى عقائد وثنية ترجع إلى ما قبل الميلاد وفقا لذات المختص الذي يرى من خلال تجربته وملاحظاته -كما قال- أن المدينة الرومانية عرفت أوج ازدهارها في القرن الأول قبل الميلاد قبل أن تنقطع فيها الحياة بدءا من القرن الثالث بعد الميلاد احتمالا لنقص المياه مستدلا في ذلك بعدد القبور الموجودة في الجهة الشرقية والغربية للموقع.
ووفقا للمختصين في علم الآثار فإن الموقع الجغرافي لقلعة تيميكي يساهم في حمايتها من الظروف الطبيعية على أن تساهم السلطات المحلية هي الأخرى في حماية الموقع عن طريق التدخل و التحسيس والتوعية في حين يبقى على المواطن الاضطلاع بدوره والتفاعل مع شواهد التراث المادي من خلال الحفاظ عليها والتفكير في تحويلها لوجهة سياحية تحفظ ذاكرة المنطقة وتفتح آفاقا اقتصادية محلية جديدة.
ق.م