عاد نظام المخزن المغربي إلى توظيف أسطوانته المشروخة المتمثلة في محاولة ربط مسألة الصحراء الغربية التي تعتبر قضية تصفية استعمار وفق مقررات الأمم المتحدة، بالأزمة المفتعلة المتعلقة بمنطقة القبائل، اعتقاد منه بأن ذلك من شأنه أن يزعج الجزائر التي تدافع عن حقوق الشعب الصحراوي باعتباره آخر الشعوب التي تخضع للاستعمار في إفريقيا، وأي ثنيها عن مواصلة السير في موقفها المبدئي هذا.
ومنذ الانحراف الخطير الذي وقع فيه ممثل نظام المخزن المغربي بالأمم المتحدة، المدعو عمر هلال قبل أزيد من ثلاث سنوات، بإثارة مزاعم تتعلق بمنطقة القبائل والتي كانت كما هو معلوم، أحد أبرز أسباب قرار السلطات الجزائرية قطع العلاقات مع المملكة العلوية وتسليط عقوبات مشددة عليها، لم يكرر تلك الخطيئة إلا مرة واحدة، وكان ذلك يوم الثلاثاء 13 أوت الجاري، ما يعني أن شيئا ما يقف وراء لجوء النظام العلوي إلى ذلك.
وبرأي المراقبين للعلاقات الجزائرية المغربية، فإن عودة عمر هلال إلى ترديد هذه الأسطوانة، نابع من قناعة تكون قد ترسّخت لدى النظام العلوي، مفادها أنه اقتنع أخيرا بأن الاعتقاد بإبعاد منطقة القبائل من السجال الدائر بين البلدين على مستوى الأمم المتحدة على مدار نحو ثلاث سنوات، سيليّن موقف الجزائر ويدفعها إلى التجاوب مع استجداءات الوساطة تمهيدا لرفع عقوباتها على الرباط أو على الأقل التخفيف منها، ولذلك عاد إلى لعب ورقة التصعيد.
وعلى الرغم من أن البون شاسعا جدا بين قضية الصحراء الغربية التي تعتبرها الأمم المتحدة منطقة خاضعة للاستعمار وتعترف بها العشرات من الدول عبر العالم كدولة، وقضية غير موجودة على أرض الواقع منسوبة لمنطقة القبائل، إلا أن ممثل المخزن بالأمم المتحدة وبتوجيهات من القصر العلوي، يحاول واهما رفعها إلى مستوى القضية، على أمل أن تلقى التفاتة من الأمم المتحدة التي لديها قواعد ومحددات في التعامل مع حالات من هذا القبيل.
وبالنظر إلى توقيت الانزلاق الجديد الذي وقع فيه نظام المخزن المغربي، فإن المملكة العلوية تستهدف الوصول إلى جملة من الأهداف، أولها التشويش على الانتخابات الرئاسية المرتقبة قبل أقل من شهر من الآن، لاسيما وأن الرباط تنظر إلى الرئيس عبد المجيد تبون على أنه من الصقور في التعامل معها، ومن ثم فاستمراره في منصبه لخمس سنوات مقبلة، يعني المزيد من الضغوط والعقوبات على نظام المخزن الذي لم يعد قادرا على استمرار الوضع الراهن.
الهدف الآخر الذي قد يكون وراء استفزاز النظام العلوي انطلاقا من تصريح عمر هلال، فيتمثل في محاولة مرافقة عملية الضخ الإعلامي الذي يتحدث عن وجود أزمة على حدود الجزائر الجنوبية مع مالي والجنوبية الشرقية مع المتمرد الليبي، خليفة حفتر، وذلك بزعم وجود أزمة أخرى بمنطقة القبائل، وهي الأسطوانة التي رد عليها الكثير من أبناء هذه المنطقة وعموم الجزائريين، بحملة عبر شبكات التواصل الاجتماعي تؤكد أن هذه المنطقة جزء لا يتجزأ من التراب والسيادة الجزائريين.
وفي هذا السياق، يتساءل المراقبون عن طبيعة الرد الجزائري على مثل هذه الاستفزازات، والتي سوف لن تمر مرور الكرام، لا سيما وأن الجزائر تملك العديد من الأوراق التي تؤلم نظام المخزن المغربي، وما ورقة المطالبة باستقلال منطقة الريف في أقصى شمال المملكة العلوية التي خرجت إلى العلن بإعلان الاستقلال، إلا واحدة من تلك الأوراق التي سيتم إخراجها في الزمان والمكان المناسبين من قبل الجزائر، التي حافظت على مدار سنين طويلة على سياسة ضبط النفس.
علي. ب