مع دُخول العلاقات بين الجزائر وفرنسا مُنعطفًا جديدا وخطيرًا، بعد القرار القاضي بطرد 12 مُوظفًا من البعثة الدبلوماسية الفرنسية في الجزائر، تزامنًا مع إيداع موظف من البعثة الدبلوماسية الجزائرية في فرنسا الحبس، ومتابعته قضائيا من طرف القطب المتخصص بالإرهاب، لا يتوقعُ كثير من المحللين السياسيين نهاية وشيكة للأزمة بين البلدين لأن لها تراكمات كثيرة ومعقدة وحسبهم فإن البلدين أمام سيناريوهين إثنين في ضوء التهديدات التي أطلقها بارو في حال عدم عدول السلطات الجزائرية عن إجراءات الطرد إذ قال أمس في تصريحات لقناة “فرانس 2″ إنه ” في حال الإبقاء على قرار طرد موظفينا لن يكون لنا خيارًا آخر سوى الرد فورًا”.
تحرير الحكومة الفرنسية من قبضة اليمين المتطرف من خلال تشكيل ائتلاف من الوسطيين قادر على الصمود إلى غاية 2027 أحد السيناريوهين الإثنين المطروحين حاليا لكن هذا الخيار من الصعب تحقيقه حاليًا ويشرحُ البروفيسور نور الصباح عكنوش أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية هذا الطرح بالقول إن “ماكرون لن يستطيع أن يفعل الشيء في آخر عهدته لأنه محكوم ومُقيد بتوازنات تُؤثر على أداءه في الموضوع حتى لو ضحى بحكومته أو وزير داخليته برونو روتايو الذي ينفث سمومه في العلاقات الجزائرية الفرنسية بشكل يومي”، ويقول المتحدث إن “اليسار الفرنسي هو السيد في البرلمان لكن تحالفات اليمين بكل أجنحته المُحافظة والمُتطرقة مع الوسط يجعل الموقف الرئاسي صعب للغاية”.
ولأن الإطاحة بالحكومة الفرنسية حاليًا أمر صعب للغاية وأمام إصرار روتايو على إحكام قبضته على ملف العلاقات مع الجزائر واستغلال الملف لأهداف شخصية في مقدمتها الترشح للرئاسيات المقبلة بناء على القراءة التي قدمها إيريك كوكريل نائب عن حزب “فرنسا الأبية” بالجمعية الوطنية (الغرفة السفلى للبرلمان الفرنسي)، يقول البروفيسور نور الصباح عكنوش إن “المرحلة القادمة ستكون مرحلة لا يقين دبلوماسي وسياسي ومعنوي ولا يمكن إطلاقا انتظار تحسن في علاقات أصبحت رمادية وقد تصبح سوداء في أي لحظة”.
وعاد وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو ليتحدث بلغة التهديد والوعيد والمهل وكافة أشكال الابتزاز، وقال في تصريحات لقناة “فرانس 2” إن “قرار الجزائر بطرد 12 موظفًا رسميًا فرنسيا من أراضيها ردًا على إجراءات قضائية في فرنسا مُؤسف ولن يمر من دون عواقب”.
ويُرجحُ فؤاد جدو الأستاذ والباحث بقسم العلوم السياسية والإعلام بجامعة بسكرة مجموعة من السيناريوهات لنهاية الأزمة الجزائرية الفرنسية أولها: التصعيد، ويقول في إفادة لـ “الجزائر الجديدة” إن “هذا السيناريو هُو الأقرب حاليا بالنظر إلى قلق وانزعاج دوائر سياسية فرنسية من التقارب الجزائري – الفرنسي”، ويخص المتحدث اليمين المتطرف بالذكر في الوقت الذي أبدى فيه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون رغبته في بعث روح التهدئة من أجل المصالحة بين الشعبين.
ومن مؤشرات التصعيد بين البلدين، يُشير المُتحدث إلى “قرار طرد 12 ديبلوماسيا فرنسيا من الأراضي الجزائرية وهو ما يعتبر ردًا قويا وفقا للأعراف الدبلوماسية”، أما السيناريو الثاني وهو سيناريو “الانفراج” وهو المستبعد بالنظر إلى جميع المُعطيات والمؤشرات الحالية كما أنه يقوم على اتخاذ ماكرون لقرارات حاسمة من أجل حلحلة الوضع كإطلاق سراح الموظف القنصلي الجزائري بباريس وهو أمر غير ممكن حاليا لأنه الرئيس الفرنسي لا يريد أن يدخل في صراع مع أحزاب اليمين التي قد تؤثر على حكومته مستقبلا
وتتقاطع هذه السيناريوهات مع ما طرحه الدُكتور خواص مصطفى الباحث المتخصص في الشأن الإفريقي بالمدرسة الوطنية العُليا للعُلوم السياسية سابقًا، وطرح ثلاثة خيارات يتعلق الأول بـ: التوتر والتصعيد الذي ينخفض مرة ويرتفع مرة ويبقى هو السائد لكن تحت سقف معين وحاليا يعيش البلدان هذا السيناريو وبالإمكان أن يرتفع التوتر لمُستويات غير مسبوقة.
وهُناك سيناريو المُصالحة التاريخية وهذا يكون وهذا يكون بعد الاعتراف والاعتذار وربما التعويض، وهذا بعيد عن التحقق في الوقت الحالي والمدى المنظور، ويطرحُ أخيرًا سيناريو القطيعة مع سيطرة اليمين المتطرف على مفاصل الحكومة.
واستعرض المتحدث تداعيات التوتر على الجوار الإقليمي، وقال إنه “وإذا كان من المفروغ منه أن التوتر أو القطيعة تربك الدولتين، وتترك آثار عميقة على سياسيات البلدين، فإن التوتر أيضا يستفيد منه بعض الدول، في الجوار الاوروبي نجد أهم المستفيدين إيطاليا ثم إسبانيا، ثم دول أوروبية أخرى مثل ألمانيا وبريطانيا تسعى الجزائر إلى الدخول معهم في شراكات من مختلف الأنواع”، أما في الجوار المغاربي والافريقي فإن أهم مستفيد هو المغرب، الذي اعتبرت فرنسا شريك استراتيجي، لا بل الشريك الوحيد، في شمال افريقيا، واليمين الفرنسي يصف المغرب دائما بالبلد “العزيز”، على قلوبهم، عمليا فرنسا ليس لها بديل آخر، بعد أن خسرت نفوذها في شمال افريقيا لصالح إيطاليا، وفي الساحل لصالح روسيا وتركيا، لذى هي تسعى إلى تطوير علاقاتها مع دول افريقيا الانجلوفونية، في الوقت الذي تسعى فيه الجزائر إلى بناء تحالف ثلاثي في المغرب العربي مع كل من تونس وليبيا، كما تهدف الى تطوير علاقاتها مع قوى دولية أخرى سواء كانت كبرى أو متوسطة.
فؤاد ق