تشهد أسعار صرف العملات الأجنبية في السوق السوداء بالبلاد ارتفاعا غير مسبوق، محققة مستويات قياسية جديدة، في ظل غموض الكبير للأسباب التي أدت وساهمت إلى هذا الارتفاع، وسط ندرة كبيرة في عمولات العملة الصعبة لدى الباعة، وتشير البيانات أنّ سعر صرف العملة الأوروبية الموحدة “الأورو” ارتفعت إلى 260 دينار جزائري، بعدما كانت منذ أسابيع فقط في حدود 240 دج للاورو الواحد في الأسابيع القليلة الماضية.
يؤكد الخبراء في هذا الصدد، أن سبب هذا الارتفاع راجع إلى غياب الضوابط لتحديد الأسباب الحقيقية والفعلية لهذا الارتفاع والحركية في السوق الموازي للعملات الصعبة في الجزائر، وهذا ما أوضحه حمزة بوغادي مدير مؤسسة الدراسات الاقتصادية وتطوير المؤسسات، لـ “الجزائر الجديدة”
قائلا: ” نحن نتحدث عن سوق موازي أي سوق لا تتحكم فيه أي ضوابط من الضوابط التي يمكن أن تحدد ارتفاع أو انخفاض الأسعار فضوابط التنظيمية والقانونية للتسيير في دول العالم هي التي يمكنها التحكم في الاسعار وبطها، فنحن لم نعالج الموضوع بجدية وصرامة رغم سَن قوانين مكاتب الصرف، وإصدار الدولة دفاتر الشروط ولكن التطبيق والمعالجة النهائية والحقيقة للسوق الموازي بالبلاد لا تزال بعيد كل البعد في الميدان هذا خاصة فيما تعلق بالإطار العام.
وعرض حمزة بوغادي العوامل والأسباب التي قد تكون أدت إلى هذا الارتفاع غير المسبوق في أسعار العملات الأجنبية خاصة “الأورو” مؤكدا أن هناك عدة أسباب دفعت إلى هذا الارتفاع التي يمكن ملاحظتها في الآونية الأخيرة، ذكر منها ـ يضيف المتحدث ـ أبرزها، ازدهار في نشاط شراء السيارات “أقل من ثلاث سنوات” خصوصا تلك القادمة من ليبيا، الخليج وكذا من البلدان الأوروبية ما ساهم بشكل كبير في الإقبال الكبير على شراء العملة الصعبة من السوق الموازي فترخيص قانون استيراد السيارات أقل من ثلاث سنوات في ظل شح السوق من السيارات فالحل الوحيد للمواطن في هذه الحالة هو أن يلجأ لاستيراد السيارات بنفسه وبالتالي طريقة الدفع ستكون بالعملة الصعبة والعملة الصعبة متوفرة في السوق السوداء، هذا عامل من أهم العوامل التي ساهمت بشكل كبير في ارتفاع أسعار العملة الصعبة، وأعتقد هو مادفع السلطات العليا إلى اتخاذ قرارت تجميد تسليم بطاقات ترقيم المركبات أقل من 3 سنوات، المستوردة في إطار المرسوم التنفيذي 23/74 المحدد لإجراءات وأنظمة الجمركة والمراقبة التقنية للمركبات السياحية والنفعية المستوردة من طرف الخواص المقيمين إلى إشعار آخر.
في ذات الشأن، اعتبر مدير مؤسسة الدراسات الاقتصادية وتطوير المؤسسات عامل شراء العمالة الأجنبية المتواجدة في الجزائر العملة الصعبة عامل مهم للارتفاع، خاصة وأن المهاجرين من الدول الإفريقية الذين يعملون في قطاع البناء بكثرة يقومون بتحويل أموالهم إلى العملة الصعبة للهجرة أو لإعادة إرسالها إلى لمواطنهم الأصلية في جنوب الصحراء الجزائرية، ضف إلى ذلك ـ يقول بوغادي ـ الأسباب الدورية التي تؤدي إلى الارتفاع العملة الصعبة على غرار العمرة، الحج، السفر للسياحة أو للدراسة في البلدان الأجنبية حيث يقبل الطلبة لشراء العملة الصعبة قبل التوجه للدراسة.
وفي سياق ذي صلة، قال ذات المتحدث، أن عامل الإدخال بالعملة الصعبة قد يكون سبب من الأسباب التي ساهمت في هذا الارتفاع، حيث يقبل الجزائريون إلى الادخار بالعملة الصعبة كنوع من حماية أموالهم من التضخم ولا تفقد قيمتها الأموال.
من جانبه، اعتبر الخبير في البنوك الأستاذ الجامعي، سليمان ناصر، في منشور له عبر صفحته الـ”فايسبوك” أن القضية هي قضية عرض وطلب في النهاية، ففي ظل ندرة توفر العملة الصعبة في البنوك بالسعر الرسمي، وفي ظل منحة سياحية هزيلة، ومادمنا في نهاية موسم الصيف والعطل والسياحة لازالت مستمرة، ومادامت الإعلانات للعُمرة عادت بقوة هذه الأيام، فشيء طبيعي أن يكون هناك طلب مستمر مقابل عرض محدود خاصة مع عودة المغتربين إلى خارج الوطن.
وأوضح الخبير في كلامه السبب المستجد والذي ساهم بشكل كبير في هذا الارتفاع قائلا: “لكن الشيء الذي زاد الطلب فوق كل هذه العوامل، هو إشاعة حذف الصفر من فئة 10 دج، أي تحويل 10 دج إلى 1 دج، وهو ما يسمى علمياً بـ “تصفير العملة”، وقد طبقته العديد من الدول التي تعاني من التضخم وتدهور قيمة عملتها، هذه الإشاعة جعلت بارونات السوق السوداء للعملة أو حتى كبار التجار والمتعاملين الاقتصاديين الذي يخزنون مبالغ كبيرة من العملة الوطنية يلجأون إلى إخراجها، وتحويلها إلى عملة صعبة “خاصة الاورو المطلوب بكثرة في بلادنا”، لسببين:
أولا: أنهم يظنون أن العملية المذكورة سوف تؤدي إلى تغيير العملة وطباعتها من جديد، وهذا سيؤدي ـ في اعتقادهم ـ إلى تدهور أكبر في قيمة الدينار، وهم يحوزون على مبالغ ضخمة منه لذلك يجب أن يتخلصوا منه بالبيع.
ثانيا: أنه في حالة تغيير العملة وإعطاء مهلة لذلك، سوف يتعرضون للمساءلة “من أين لك هذا” عند دفع العملة القديمة لدى البنك لتحويلها إلى العملة الجديدة.
لذلك، ـ يضيف ذات المتحدث ـ ولحل هذه المشكلة لابد من:
تحرير سوق الصرف، والإسراع في فتح مكاتب الصرف خاصة بعد صدور المرسوم التنفيذي الذي ينظمها، وقد صرّح وزير المالية بأنهم يدرسون حالياً طلبات فتح هذه المكاتب، مع ضرورة تصحيح الأخطاء التي وقعت مع هذه المكاتب في التسعينيات من القرن الماضي، وهذا للقضاء نهائياً على ما يسمى بالسوق الموازية للعملة.
ودعا سليمان ناصر في ذات السياق إلى ضرورة التدخل العاجل من السلطات المعنية لتأكيد أو تفنيد الإشاعة المذكورة سابقاً حتى لا تضر السوق أكثر، وكما يحدث في البلدان المحترمة في مثل هذه الحالات، وإذا كانت السلطات تعتبر نفسها غير معنية بما يحدث في السوق السوداء للعملة ويكفي أن يكون اليورو مستقراً في سعر البنك في حدود 147 دج حالياً، فإن هذه الإشاعة قد أدت وستزيد من اتساع الهوة بين السعر الرسمي في البنوك وسعر السوق السوداء للعملة الوطنية، وهذا في غير صالح الاقتصاد الوطني إطلاقاً، ويكفي أنه يعطي مؤشراً أسوداً للاقتصاد الوطني أمام المستثمر الأجنبي الذي نسعى إلى استقطابه، إضافة إلى تداعيات سلبية كثيرة.
هذا وكان قد تداول نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي الأسبوع الماضي، مقاطع فيديو تُظهر ساحة “بور سعيد” بقلب العاصمة الجزائر، شبه فارغة من الباعة للعملات الأجنبية، وهم الذين لطالما اصطفوا أمام الشوارع لعرض عملاتهم أمام المارة، ليقول أحدهم: “لاحظوا “سوق السكوار”.. أين هو اليورو والدولار؟ “المكان فارغ”.
فهيمة. ب