لا حديث هذه الأيام في المسائل التي تخص العلاقات الجزائرية- الفرنسية، من الجانب الفرنسي، سوى عن اتفاقية 1968 التي تنظم تنقل الأشخاص بين البلدين، والتي تعطي امتيازات حصرية للرعايا الجزائريين دون سواهم من رعايا الدول المغاربية والإفريقية، فما هي بنود هذه الاتفاقية ولماذا يصر الفرنسيون على مراجعتها بكل السبل؟.
في عام 1968، وقعت فرنسا والجزائر اتفاقية لتنظيم تشغيل الجزائريين في فرنسا، أي بعد ست سنوات من توقيع اتفاقيات إيفيان التي رسمت حصول الجزائر على الاستقلال.
في ذلك الوقت، كانت فرنسا في خضم فترة ازدهار ما بعد الحرب وكانت تفتقر إلى القوى العاملة لدعم التطور السريع لاقتصادها.
ولذلك جاء هذا الاتفاق الذي يسهل تنقل العمال الجزائريين في فرنسا، وكذلك أسرهم. هذه الاتفاقية تمنح مكانة خاصة للجزائريين، فهم يتمتعون بنظام خاص، ولا يخضعون للقانون العام على عكس مواطني الدول الأخرى، حيث يتم تسهيل دخول الجزائريين إلى الأراضي الفرنسية، ويمكنهم أيضًا من الحصول على تصاريح الإقامة الصالحة لمدة عشر سنوات بسرعة أكبر من مواطني البلدان الأخرى.
كما يستفيدون من حرية تأسيس ممارسة نشاط تجاري أو مهنة حرة. تمت مراجعة هذه الاتفاقية ثلاث مرات، في 1985 وفي 1994 وفي 2001، ولكن تم الحفاظ على المبادئ الرئيسية للاتفاقية والاستثناءات من القانون العام.
وكان الجزائريون وإلى غاية عام 1985 يتنقلون إلى فرنسا دون تأشيرة، غير أنه وبعد المراجعة التي تمت في سنة 1985، فرضت التأشيرة على الجزائريين، لكنهم لم يخسروا بقية المزايا الأخرى، مثل تلك المتعلقة بالإقامة والعمل ومدة الحصول على وثيقة الإقامة لمدة عشر سنوات.
هذه الاتفاقية تأخذ طابع المعاهدة الدولية، وعليه فهي لها قيمة أعلى من القوانين الوطنية، على النحو المنصوص عليه في الأعراف الدولية، إذ هذا يعني أن هذه الاتفاقية تعني أن الجزائريين لا يخضعون بالكامل لقوانين الهجرة، كما أن مراجعتها مرهونة بموافقة الطرفين، علما أن الجانب الجزائري يرفض إطلاقا طرح هذه الاتفاقية للمفاوضات، بحجة أنها من تداعيات الاستعمار الفرنسي، الذي سرق ثروات الجزائريين وأزّم وضعهم الاجتماعي.
وتعتزم الحكومة الفرنسية طرح قانون جديد للهجرة هذه الصائفة، يضع المزيد من العراقيل أمام المهاجرين لمحاصرة ظاهرة الهجرة غير الشرعية، غير أن عدم جنوح الطرف الجزائري للقبول بمراجعة اتفاقية 1968، يجعل القانون المراد مراجعته غير قابل للتطبيق على الرعايا الجزائريين، لأن الاتفاقية أسمى من القانون.
ويستغل اليمين الفرنسي، وهم الخصوم السياسيين للرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، قضية الهجرة لمهاجمة اتفاقية 1968، والتأكيد على أهمية مراجعتها، بهدف إحراج ماكرون وضرب محاولة تقاربه مع الجزائر، وهو التوجه الذي تغذيه اللوبيات القريبة من نظام المخزن المغربي، المصدوم من التقارب الفرنسي الجزائري.