قي غزة المحاصرة، حيث تتداخل أصوات الانفجارات مع أنين الجرحى، يقف صحفيون شجعان، يحملون على عاتقهم مسؤولية نقل الحقيقة المرة للعالم. لكن في هذه البقعة المنكوبة، يصبح حمل الكاميرا جريمة، وتدوين الشهادات تهمة تستحق العقاب.
أَيُّ عدلٍ هذا الذي يُجازي حامل الكاميرا برصاصةٍ في الرأس؟ أيُّ ذنبٍ اقترفته عدسةٌ كاميرا وثّقت دماء الأبرياء على أرضٍ محاصرة؟ أيُّ جريمةٍ أفظع من نقل صورة طفلٍ مزقته شظايا القصف؟ أَيُّ ثمنٍ أغلى من حياة صحفيٍّ يروي للعالم حكاية المذبحة؟ أَيُّ قوةٍ تخافُ من صورةٍ أكثر مما تخافُ من الحق نفسه؟ لماذا يُستهدف هؤلاء الذين يسعون لكشف الستار عن فظائع الحرب؟ أليس نقل صور الموت والدمار هو صرخة استغاثة للعالم الصامت؟ هل تخاف إسرائيل من عدسة تنقل الحقيقة أكثر مما تخاف من صواريخ المقاومة؟ ألا يكشف استهداف الصحفيين عن رغبة دفينة في إخفاء جرائم حرب محتملة؟ ما الثمن الذي يدفعه هؤلاء الصحفيون مقابل قول الحقيقة في ظل قصف متواصل وتضييق الخناق على الإعلام؟ ألا يستحق العالم أن يرى الوجه الحقيقي للصراع، بعيدًا عن التضليل والتعتيم؟ متى سندرك أن إسكات صوت الصحافة في غزة هو بمثابة دفن للحقائق تحت أنقاض المباني المدمرة؟ متى ستنتفضُ الإنسانيةُ وتدركُ أن قتلَ الحقيقة هو قتلٌ للجميع؟
في قلب الصراع الدامي في غزة، يقوم الصحفيون بدور بالغ الأهمية، فهم الشهود العيان على المأساة الإنسانية التي تتكشف يومًا بعد يوم. فهم يمثلون العين التي ترى ما لا يريد الآخرون رؤيته، والصوت الذي ينقل صرخات من لا يستطيعون إيصال أصواتهم.
لكن، لماذا يتحول هؤلاء الصحفيون إلى أهداف مباشرة للجيش الإسرائيلي؟ أليس قيامهم بواجبهم المهني في توثيق الأحداث ونقلها بأمانة هو حق أساسي من حقوق الإنسان وحرية التعبير التي تتغنى بها الدول العظمى التي تدعي التحضر ؟ ألا يشكل استهدافهم انتهاكًا صارخًا للقوانين والأعراف الدولية التي تحمي الصحفيين في مناطق النزاع؟
إن استهداف الصحفيين في مناطق النزاع عامة وغزة على وجه الخصوص ليس مجرد حوادث فردية، بل يبدو وكأنه استراتيجية ممنهجة تهدف إلى خلق فراغ إعلامي وحجب الحقائق عن الرأي العام العالمي الذي ينصدم يوميا من صور التقتيل والدمار الممنهج . ألا يخدم هذا التعتيم مصالح الجهات التي ترتكب هذه الانتهاكات الجسيمة و المروعة و التي تخشى المساءلة والمحاسبة؟ ألا يسهل غياب الصحافيين والمراسلين الدوليين المجال لتداول الروايات الأحادية والمضللة التي تبرر العنف وتتجاهل معاناة المدنيين؟ وهل يمكن للعالم أن يتخذ قرارات صاءبة ويسعى لتحقيق العدالة والسلام وهو يعتمد على معلومات منقوصة أو محجوبة او مشوهة او كاذبة وملفقة ؟
في ظل هذه الظروف القاسية، يواجه الصحفيون في غزة تحديات غير مسبوقة، فهم يعملون تحت تهديد القصف المستمر، والاستهداف المتعمد و المستمر. ألا يعتبر عملهم في هذه البيئة الخطرة شجاعة لا مثيل لها ؟ ألا يستحقون كل الدعم والتقدير من المؤسسات الإعلامية الدولية والمنظمات الحقوقية لتمكينهم من مواصلة رسالتهم النبيلة؟ وهل يمكن للمجتمع الدولي أن يظل صامتًا وهو يرى هؤلاء الصحفيين يدفعون أرواحهم ثمن نقل الحقيقة؟
إن استمرار استهداف الصحفيين في غزة يطرح تساؤلات خطيرة حول مستقبل حرية الصحافة وحق العالم في المعرفة. ألا يجب على المجتمع الدولي أن يتحرك بشكل حاسم لوقف هذه الانتهاكات وضمان محاسبة المسؤولين عنها؟ ألا يجب أن تكون هناك آليات دولية لحماية الصحفيين في مناطق النزاع وتوفير بيئة آمنة لهم للقيام بعملهم؟ وهل يمكننا أن نأمل في تحقيق سلام عادل ودائم في الشرق الأوسط دون ضمان حرية تدفق المعلومات وكشف الحقائق مهما كانت مؤلمة؟
عندما يصبح نقل الموت جريمة، فإن الحياة نفسها تصبح جريمة أكبر في نظر من يسعون لطمس الحقيقة. لكن دماء الصحفيين التي تُراق في غزة لن تذهب سدى، بل ستكون شاهدًا أبديًا على وحشية العدو الاسرائيلي الذي يتلذذ بقتل الاطفال والنساء دون رحمة او شفقة . إن صرخات الحق التي يحاولون إسكاتها ستظل تدوي في قلوب و ضمائر احرار العالم اجمع ، تطالب بالعدالة والسلام، وتفضح زيف القوة التي تخاف من كلمة مكتوبة أو صورة مُلتقطة.
إلى كل ضمير حي في هذا العالم، لا تدعوا صوت الحقيقة يختنق في غزة. كونوا أنتم شهودًا على ما يجري، وشاركوا روايات الصحفيين الشجعان على كل منصات التواصل الاجتماعي حول العالم وبكل لغات العالم وساهموا في نشر الحقيقة التي يسعى الكثير الى طمسها و حجبها. طالبوا بحماية الصحفيين وبمحاسبة من يستهدفهم. تذكروا دائمًا أن حجب الحقيقة هو أول خطوات الظلم والاستبداد، وأن دعم الصحافة الحرة التي تنقل الحقيقة كاملة دون تزييف هو واجبنا جميعًا نحو الإنسانية والعدالة.
بوعلام زيان