خلال يوم دراسي انتظم في العاصمة الفرنسية، باريس، من قبل الجمعية المهنية الفرنسية حول موضوع ” صناعة الحبوب الفرنسية في مواجهة التهديد الروسي”، دق منتجون فرنسيون في قطاع الحبوب، جرس الانذار، من اقتحام القمح الروسي أسواق فرنسا التقليدية، مثل المنطقة المغاربية، وفي مقدمتها الجزائر باعتبارها أكبر مستورد للقمح في المنطقة الغربية لشمال افريقيا.
ولا يعد استيراد الجزائر للقمح الروسي جديدا، وقد برز هذا النقاش بشكل لافت في الفترة التي أعقبت الحراك الشعبي، وربط المراقبون هذا المستجد بموقف باريس من الجزائر بعد سقوط حكم الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة، الذي جعل من الجزائر سوقا مفتوحا على مصراعيه للمنتوجات الفرنسية.
ولا يزال هذا النقاش مسيطرا على المنتجين الفرنسيين، بدليل ملتقى باريس الأخير حول الحبوب، وفيه وصف أحد المنتجين الجزائر بأنها ” زبونا تاريخيا لفرنسا والتي ياتت قريبة من مغادرة حظيرتنا تدريجيا “.
هذا التخوف لم يأت من فراغ، ففي العام 2023، صدرت فرنسا ما قيمته 166 مليون أورو من القمح إلى الجزائر مقابل 834 مليونا في 2022، أي بانخفاض يقدر بنحو ثمانين بالمائة، بحسب أرقام صادرة عن السفارة الفرنسية بالجزائر، والتي أرجعت هذا التحول المثير إلى وصول القمح الروسي إلى السوق الجزائرية.
و لم يعرف عن استيراد الجزائر للقمح الروسي إلا في سنة 2021، وهي السنة التي شهدت توترا كبيرا في العلاقات الجزائرية الفرنسية، فقد وصلت صادرات روسيا من القمح الى الجزائر إلى 40 بالمائة في 2023/24، بما يعادل نحو مليون و600 ألف طن.
واستنادا إلى مصادر متخصصة، فإن، القمح الروسي استحوذ على جزء كبير من حصة السوق الفرنسية، والتي كانت تتراوح بين 85 و90 بالمائة في فترات معينة، لكنها ظلت في انخفاض منذ أربع سنوات. فقد صدرت فرنسا خمسة ملايين و600 ألف طن من القمح اللين إلى الجزائر في 2019/20، ثم ما بين مليون و800 ألف طن ومليون و900 ألف خلال المواسم الثلاثة التالية، غير أن الصادرات الفرنسية إلى الجزائر انخفضت حاليا إلى 1 مليون طن.
وتظهر هذه الأرقام مدى تأثر الصادرات الفرنسية من الحبوب نحو الجزائر، بالمشاكل السياسية بين البلدين، ففي فترة تراجع الصادرات الفرنسية من الحبوب، سجل توتر في العلاقات الثنائية تمظهر من خلال استدعاء الجزائر لسفيرها في باريس على مرتين، الأولى بسبب تصريحات غير مسؤولة للرئيس الفرنسي، أيمانويل ماكرون، الذي شكك في وجود أمة جزائرية قبل الإحتلال الفرنسي لها في سنة 1830، أما الاستدعاء الثاني فكان بسبب تورط المصالح السرية الفرنسية في تهريب رعية جزائرية مطلوبة للعدالة، عبر الحدود التونسية.