خلف قرار الجزائر رفض استقبال المؤثر الجزائري “بوعلام”، حالة من الغضب العارم في الأوساط المعادية للمصالح الجزائرية في فرنسا، وجسد هذا الغضب تصريحات خارجة عن السياق، صدرت عن وزير داخلية ماكرون، برونو روتايو، غداة فشل قراره.
ولم يجد وزير الداخلية الفرنسي ما يرد به على إعادة السلطات الجزائرية المرحل على الطائرة التي أقلته، سوى التلويح بالقبضة الحديدة مع السلطات الجزائرية، وهي تصريحات تبدو وكأنها محاولة منه لحفظ ماء وجهه ومن يدعمه في اليمين المتطرف، بعدما وضع سلطات بلاده في حرج كبير، بسبب جهله بأبسط قواعد الترحيل، والتي تقتضي، كما هو معلوم، موافقة الدولة المستقبلة، وفق ما تقتضيه الأعراف الدبلوماسية.
وبعد حادثة الجمعة، عاد برونو روتايو إلى وعيه بعدما استفاق من هول الصدمة، ليصرح قائلا في حوار لجريدة “لوباريزيان”، بأنه سيكون من الصعب لأسباب دبلوماسية ترحيل بعض المؤثرين الجزائريين الذين تم توقيفهم مؤخرًا لكنه، أكد عزمه على الذهاب إلى النهاية في استعمال “القبضة الحديدية” مع الجزائر، خاصة في ما يتعلق بقضية التصاريح القنصلية، التي تعد ضرورية لتنفيذ أوامر مغادرة الأراضي الفرنسية.
وبعدما قرر في قضية “المؤثر بوعلام” توقيف قرار الترحيل دون الحصول على إذن من العدالة الفرنسية، عاد ليضع رجليه على الأرض، ويؤكد بأن المؤثرين الجزائريين، الذين تم توقيفهم سيتم محاكمتهم من قبل العدالة الفرنسية، وهو الإجراء الذي لم يحترمه روتايو، حيث برمجت العدالة الفرنسية جلسة للشخص المرحل في 24 فبراير المقبل، ما يعني أن قرار ترحيل “بوعلام”، من قبل وزير الداخلية الفرنسي، يفتقد إلى سلامة الإجراءات القانونية.
وتأتي هذه التطورات المتسارعة في وقت تشهد العلاقات الجزائرية الفرنسية حالة من التدهور غير مسبوقة على مدار عقود طويلة، منذ قرار الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، تغيير موقف بلاده من القضية الصحراوية الصائفة المنصرمة، لترد الجزائر بسحب سفيرها من باريس وتخفيض التمثيل الدبلوماسي إلى مستواه الأدنى، أي القائم بالأعمال.
واعتبر الكثير من المحللين والسياسيين إعادة الجزائر للمؤثر بوعلام من مطار هواري بومدين، على متن الطائرة التي أقله من فرنسا، هزيمة مدوية لفرنسا أمام الجزائر، وتحول الأمر إلى فضيحة دبلوماسية لأن مسؤولا بحجم وزير داخلية يجهل أبجديات الترحيل، والتي يجب أن يبث فيها القضاء، وليس الإدارة.
كما أن فشل باريس في أقناع السلطات الجزائرية بالإفراج عن الكاتب الفرانكو جزائري، بوعلام صنصال شكل إهانة أخرى لباريس في نظر الفرنسيين الذين ينظرون إلى بلادهم على أنها قوة عظمى، وهو ما كان وراء تصريح مثير للسفير الفرنسي الأسبق، بالجزائر، كزافيي دريانكور، يدعو من خلاله إلى استعمال القوة في استعادة صنصال من الجزائر.
وأمام هذا الوضع غير المريح لباريس، خرج بدوره وزير الخارجية الفرنسي، جون نويل بارو، ليركب موجة التصعيد متحدثا عن الأوراق التي يمكن اللجوء إليها، مثل قضية التأشيرة، وهو يتحدث مندهشا بسبب رفض استقبال الجزائر المؤثر بوعلام، بسبب عدم احترام الجانب الفرنسي، الإجراءات المعمول بها في الترحيل.
ويبدو أن المسؤولين الفرنسيين صدموا من قرار السلطات الجزائرية، فراح بعضهم يتحدث عن خيانات غير قابلة للتطبيق تماما على الأرض، في محاولة للضغط على الطرف الجزائري، وهي المحاولات التي لم تعد تجد نفعا بالنسبة لباريس، التي باتت حائرة في التعاطي مع المستعمرة السابقة.
علي. ب