يُحصي سياسيين ومحللين للأوضاع العامة في فرنسا عددا من الملفات التي قد تعكر صفو العلاقات الجزائرية الفرنسية في حالة ما إذا نال معسكر اليمين المتطرف غالبية مطلقة في الدورة الثانية الأحد القادم، وبالتالي فجميع العلاقات توحي بإمكانية عودة العلاقات إلى نقطة الصفر، بسبب عدم التوافق حول عدد من الملفات الشائكة على رأسها ملف “الذاكرة” والذي توليه الجزائر أهمية بالغة وسبق لها وأن أكدت “تمسكها الشديد” بمطلب “اعتذار فرنسا عن جرائمها” إبان استعمارها للبلاد، وشددت على أن جودة العلاقات مع باريس مرتبطة بمعالجة هذا الملف، بالإضافة إلى ملف الهجرة وقضية الصحراء الغربية.
وقد جاءت نتائج الدورة الأولى للانتخابات التشريعية، أمس الأحد، تقريبًا مطابقة لما أبرزته استطلاعات الرأي وقبلها نتائج الانتخابات الأوروبية، عبر تصدر اليمين المتطرف في فرنسا النتائج ممثلا ممثلاً بحزب التجمع الوطني اليميني بزعامة مارين لوبان وجوردان بارديلا، المرشح لترؤس حكومة ستكون، في حالة ما إذا حصل معسكر اليمين المتطرف على غالبية مطلقة في الدورة الثانية الأحد المقبل.
ورجح عبد الرفيق كشوط، الأستاذ المحاضر بجامعة محمد الصديق يحي أن تتأثر العلاقات الجزائرية الفرنسية كثيرًا بصعود حزب ماري لوبان إلى الحكم، ويقول كشوط في مستهل حديثه لـ “الجزائر الجديدة” إن “اليمين المتطرف له مواقف راديكالية، وفرنسا واحدة من الدول الأوروبية التي ينشط فيها هذا التيار بقوة خصوصا في الآونة الأخيرة مع العثرات التي يعاني منها التيار المعتدل“.
وتوقع المحلل السياسي أن يدخل محور الجزائر وباريس في منطقة جديدة من التوترات والأزمات نظرًا لحساسية الملفات المطروحة بين البلدين وفي مقدمتها ملف الذاكرة والجرائم الفرنسية في الجزائر إبان حقبة الاستدمار”، وسبق وأن سلطت صحيفة “لوموند” الفرنسية في مقال مطول لها نُشر منذُ يومين الضوء على هذا الملف، وقالت إن “مكمن الصعوبة في هذا الملف هو أن مؤسس هذا الحزب المتطرف هو جون ماري لوبان الذي تورط في القتل والتعذيب إبان ثورة التحرير الجزائرية المجيدة، ومما استندت عليه الصحيفة الفرنسية أيضا وهو أن المشكلة تكمن أيضًا في التفاف أعضاء بارزين في المنظمة الإرهابية الخاصة بهذا الحزب المتطرف.
ويعتقد المحلل السياسي عبد الرفيق كشوط أن التصلب في المواقف لن يقتصر على الجانب الفرنسي فقط، وقال في هذا السياق إن “وصول التيار المتطرف في فرنسا للمشهد السياسي سيفتح المجال أمام جبهة عريضة من الجزائريين لتصلب في المواقف إزاء ما ارتكبته فرنسا في البلاد وقت الاستعمار ما يعني أن العلاقات الجزائرية الفرنسية لن تراجع في اتجاه واحد فقط بل ستكون مراجعة في الاتجاهين ما يعني تأثر هذه العلاقات“.
ثاني الملفات التي ستكون على رأس الأولويات في حال تقدم اليمين المتطرف في فرنسا ممثلا بحزب التجمع الوطني اليميني بزعامة مارين لوبان وجوردان بارديلا المرشح حاليا وبقوة لترؤس الحكومة الفرنسية، يشير عبد الرفيق كشوط إلى “ملف الهجرة” ويقول إن “حتى هذا الملف وسيخضع لمراجعة جذرية في حال تصدر اليمين المتطرف للمشهد السياسي في فرنسا”، خاصة وأن قيادات بارزة من هذا التيار ومن بينها الدبلوماسي وسفير باريس السابق في الجزائر قد طالبت بإلغاء اتفاقية 1968 التي تمنح الجزائريين وضعًا استثنائيا فيما يتعلق بالتنقل والإقامة والعمل في فرنسا.
ثالث الملفات التي قد يناور بها اليمين الفرنسي هو ملف “الصحراء الغربية” بحكم الموقف الصريح والواضح لمارين لوبان إزاء هذه القضية، لكن هون أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية عمار سيغة من هذا التأثير بحكم أن صناعة السياسة الخارجية الفرنسية هي من مهام الرئيس، وقال المتحدث في تصريح لـ “الجزائر الجديدة” إن “موقف اليمين سيبقى محصورا في البرلمان الفرنسي ولن يخرج إلى نطاق التأثير على العلاقات بين فرنسا والجزائر“.
ومن بين العوامل الأخرى التي قد تبقي هذا الملف حبيس البرلمان الفرنسي، يشير المحلل السياسي إلى “الفضائح التي لاحقت النظام المغربي بسبب تقديم رشاوى لبرلمانيين اوروبيين في دولهم و حتى اعضاء البرلمان الأوروبي، ناهيك عن محاولات التأثير على قضاة المحكمة الاوربية للظفر بقرارات لصالح الطرف المغربي في قضية الصحراء الغربية“.
ويؤكد المتحدث أن “كل هذه الأسباب من شأنها أن تصعب مهمة اليمين المتطرف للتخندق إلى جانب المملكة المغربية في قضية الصحراء الغربية، لذلك يمكن التأكيد أن قضية الصحراء الغربية لا تشكل حاليًا اولوية هامة بالنسبة لليمين الفرنسي بقدر ما سيكون الاهتمام منصبا على مواجهة تصاعد الاسلام في أوروبا وفي فرنسا وأيضا ملف الجنسية الفرنسية وملف تزايد الكراهية والعداء ضد اليهود في فرنسا بسبب الحرب القائمة في قطاع غزة“.
ومن الأسباب الأخرى التي تثير القلق حاليًا حسب المحلل السياسي “تخندق اليمين المتطرف الى جانب الكيان الصهيوني الذي يعول كثيرا على دور اليمين المتطرف في فرنسا وفي اوروبا عموما لكسر شوكة دول جبهة المقاومة وعلى رأسها الجزائر التي ازعجت كثيرا الكيان الصهيوني من خلال دورها في مجلس الأمن الدول، وهو ما سيزيد من اتساع الهوة بين الجزائر وفرنسا في المستقبل إن ظفر اليمين بأغلبية مقاعد الجمعية الفرنسية“.
فؤاد ق