ترى كيف سيكون موقف فرنسا لو يخرج أحد كتابها أو صحفييها ليقول مثلا إن “لو غراد إيست” كانت تابعة تاريخيا لألمانيا، أو قال إن مقاطعة “ألب كوت دازير” كانت جزء من التراب الإيطالي وأن مقاطعة “رون ألب” كانت جزء من سويسرا. الأكيد أنها سوف لن تتسامح معه. فلماذا إذن تتباكى على مصير بوعلام صنصال وهو الذي تجرأ ليقول كلام من هذا القبيل عن الدولة التي علمته وجعلت منه كائنا مثقفا؟
صنصال ثبت بالدليل والبرهان وبشهادة أكبر مؤرخي ومنظري فرنسا في علاقاتها مع الجزائر، المؤرخ بنجامان ستورا، أن صنصال ارتكب خطيئة معرفية لا تغتفر، إن لم يكن تضليلا متعمدا، بالتشكيك في وجود أمة جزائرية وفي وحدة أراضيها، وهذا لا يمكن التغاضي عنه من الناحية القانونية، ومن ثم فلا يحق لفرنسا أو لغيرها حتى المطالبة بمحاكمة قانونية للمتهم صنصال، لأن ذلك يعتبر تدخلا في الشؤون الداخلية للجزائر، وسيزيد صب المزيد من الزيت على نار العلاقات بين الجزائر وباريس الملتهبة أصلا.
بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية وخسارة ألمانيا النازية، أقدمت السلطات الفرنسية على التنكيل بالماريشال بيتان وأتباعه، بسبب تعاونهم مع المحتل الألماني بعد أن حملتهم أوزار الخيانة، وإن كان الماريشال بيتان يهدف من خلال التعاون من المحتل النازي إلى حماية الشعب الفرنسي، ومع ذلك لم تتورع باريس على لسان أكثر من مسؤول فيها، بدعوة الجزائر للتسامح مع الحركى الذين وقفوا ضد بني جلدتهم خلال حرب التحرير من أجل طرد المحتل الفرنسي.
الفرنسيون لا يمكنهم أن يقدموا على دعم شخص ما إلا إذا كان مشبوها ويقدم لهم خدمات ترقى إلى مستوى الخيانة والعمالة لبلاده، ومن هنا يمكن قراءة سر الدفاع المستميت لباريس عن شخص مثل بوعلام صنصال، الذي فقد شرفه وهو يطعن الدولة التي آوته وعلمته، والشعب الذي احتضنه.
تتباكى غالبية البلاطوهات في القنوات الفرنسية ومعهم السياسيين في اليمين واليمين المتطرف، على سجن بوعلام صنصال في الجزائر، خائفة على حياته، وهي الأوساط التي صمتت لأشهر طويلة على المجزرة المروعة التي حلت بالصحافيين في قطاع غزة على يد الآلة الحربية الاسرائيلية ولا تزال. انحطاط أخلاقي مفضوح يعري الإعلام الفرنسي وسياسييه، من شأنه أن يفقد الهجمة التي يقومون بها ضد الجزائر، مبرراتها ما يجعلها صيحة في واد.
علي. ب