تأتي الزيارة الثانية المرتقبة لـ فياتشيسلاف فولودين، رئيس مجلس الدوما الروسي، إلى الجزائر في مدة لم تتعد ستة أشهر، لتؤكد وجود تفاهمات بين البلدين حول جملة من المسائل وعلى رأسها القضية الخلافية الأولى، المتعلقة بما يدور في دولة مالي المحاذية للحدود الجنوبية للبلاد.
وعلى غير العادة تشهد العلاقات الجزائرية الروسية حالة من البرودة، بسبب ما أقدمت عليه موسكو من مواقف وممارسات اعتبرها الطرف الجزائري مهدد للأمن القومي للبلاد، بسبب وجود ميليشيا فاغنر على الحدود الجنوبية للجزائر (شمال مالي)، وكذا على حدودها الجنوبية الشرقية (في ليبيا).
وتحاول السلطات الجزائرية إقناع نظيرتها الروسية ببطلان السردية التي ترددها السلطات الانقلابية في مالي، والمتمثلة في وصف المعارضة الأزوادية في شمال مالي، بالإرهاب، أيا كانت تسميتها وخلفيتها، وهو ما ترفضه الجزائر جملة وتفصيلا، لأن الأزواديين هي عرقية أصيلة في المنطقة ولا يمكن وضع الجميع في بوثقة واحدة، وهو الأمر الذي يكون الطرف الروسي قد اقتنع به، بعد قراره بعدم الدفع بميليشياته “فاغنر” مجددا إلى مناطق الاقتتال في شمال مالي.
وإن خفتت حدة الخلافات بين الجزائر وموسكو بشكل لافت في مرحلة ما بعد الهجوم الذي تعرضت القوات النظامية في باماكو وميليشيا فاغنر بالقرب من منطقة تينزيواتين في أقصى الجنوب الجزائري، إلا أن الجمر لا يزال تحت الرماد، وهي تنتظر هبوب الرياح لتشتعل مجددا، إن في مالي أو في ليبيا.
وبعدما أقنعت الجزائر روسيا بضرورة تحييد ميليشيا فاغنر في شمال مالي، الذي يعتبر امتدادا للأمن القومي الجزائري، برز شياطين السياسة ومحترفو تأجيج الفتن في الرباط وفي إمارة عيال زايد ومن ورائها العرّاب، الكيان الصهيوني، للعمل من أجل تأجيج الصراع وتأزيم الوضع.
ولم يكن البيان الصادر عن الخارجية المالية مؤخرا سوى مظهرا من مظاهر امتدادا أيادي النظامين العربيين الوظيفيين في كل من الرباط وأبو ظبي، مدفوعة بمكائد الكيان الغاصب من أجل خلط الأوراق في منطقة الساحل، عبر دفع السلطات العسكرية الانقلابية في باماكو، إلى الدخول في مواجهة مع الجزائر، ويجسد هذا البيان الصادر مؤخرا عن الخارجية المالية، والذي تجاوز حدود الصداقة التي طبعت العلاقات بين الجزائر وباماكو على مدار عقود.
ويمكن تلمس دور نظام المخزن المغربي في تأجيج الخلافات الجزائرية المالية، من خلال جزئية في بيان خارجية باماكو، هي تلك التي تحدثت عن التهديد بتوظيف ورقة “القبائل” في الجزائر، وهي الأسطوانة المشروخة التي سبقها إليها نظام المخزن المغربي قبل نحو أربع سنوات، وكانت سببا مباشرا كما هو معلوم في قرار السلطات الجزائرية قطع العلاقات الدبلوماسية مع الرباط، وفرض عقوبات اقتصادية مؤلمة على النظام المغربي.
وإن أبدت السلطات الانقلابية في باماكو حالة من الضعف في مواجهة المناورات التي هندسها الكيان الصهيوني ويعكف على وضعها على الأرض النظامين الوظيفيين في كل من الرباط وأبو ظبي، إلا أن موسكو بيدها الكثير من الأوراق التي بإمكانها لجم السلطات الانقلابية في باماكو، عن الاندفاع بقوة نحو المواجهة مع الجزائر، وهي مواجهة ستكون خاسرة من دو شك، لنظام عسكري مفصول عن شعبه، أمام دولة كبيرة بمقومات هائلة على غرار الجزائر.
هذه المقاربة يمكن تلمس من خلال التقارب الجزائري الروسي، الذي بدأ قبل نحو شهر من الآن، باجتماع مجموعة الصداقة البرلمانية الجزائرية الروسية في الجزائر لمناقشة تعزيز العلاقات الثنائية، وهو التقدم الدبلوماسي الذي حصل بعد أشهر من التوترات، التي أججها التواجد العسكري الروسي في شمال إفريقيا.
ومن شأن زيارة رئيس مجلس الدوما الروسي إلى الجزائر، أن يساهم في إزالة الكثير من نقاط الظل في الخلاف الجزائري الروسي، الذي ساهمت في تسميمه العديد من المسائل، تحكمها نظره كل عاصمة إلى قضايا تهم كل طرف حسب منظوره لمصالحه الوطنية والإقليمية.
علي. ب